السبت، 19 ديسمبر 2015

الخطاب المقاصدي المعاصر: مراجعة وتقويم. د.الحسان شهيد.

الخطاب المقاصدي المعاصر: مراجعة وتقويم.
د.الحسان شهيد.
     يتألف الكتاب عموما من شقين، الشق الأول تناول فيه المؤلف الخطاب المقاصدي المعاصر بالمراجعة والتقويم، بينما توزع الشق الثاني على الإشارة إلى الخطوط العريضة لمشروع ما يزال في طور البناء قصد تجاوز العلل والنقائص التي يشكو منها الخطاب المقاصدي المعاصر وسمه بمشروع التشغيل المقاصدي.
     بخصوص الشق الأول فإن العلل التي يشكو منها الخطاب المقاصدي المعاصر لخصها الكاتب في أربع رئيسة هي:
-التاريخية:ويقصد بها استحواذ الطابع التاريخي على الدراسات المقاصدية في عصر نحن أحوج ما نكون إلى خطاب مغاير وأولويات مغايرة.
-التجريدية: وينحو باللائمة على هذا الخطاب المقاصدي لانشغاله البحثي والأكاديمي بالدراسات التجريدية وميله نحو ما هو نظري وبعده عن ملامسة القضايا العملية.
-الفصامية: ويعني بها دراسة المقاصد مفصولة عن مجالها الأصلي الفقه أو عن مجالها التقعيدي أصول الفقه وهي أم العلل في نظره.
-الفلسفية: عن طريق محاولة تأصيل القيم الفلسفية والإنسانية من جهة نظر مقاصدية... حيث انتهى الأمر بالخطاب المقاصدي إلى استدعاء الواقع بإكراهاته وضروراته الوجودية في التقصيد الكلي العام.
     أما الشق الثاني فقد وزعه إلى شطرين:
     استعرض في الشطر الأول أساسيات التجديد المطلوب في النظر المقاصدي وهي نوعان:
      أساسيات تخص الرؤى المعرفية وتشمل:
-بحث الأسس التي يقوم عليها الخطاب المقاصدي بالشكل الذي يتناغم مع الطبيعة الإجرائية للمقاصد.
-بحث استثمار النظر المقاصدي في الاجتهاد ووصله التصريفي بالأحكام الشرعية المجتهد فيها.
-بحث الفلسفة الباعثة على النظر في المقاصد والتي تربط بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون.
     وأساسيات تخص الرؤى المنهجية وتضم:
-التشغيل العملي للنظر المقاصدي.
-إعادة وصل القاصد بالفقه وأصوله.
-فقه المصالح الكونية على نحو عام وشامل.
-استمداد المقاصد من العلوم الإنسانية المعاصرة خصوصا علم الاجتماع.
     أما الشطر الثاني فخصصه لبيان الخطوط العريضة لنظريته البديلة لتطوير الخطاب المقاصدي في أفق تشغيله والتي وسمها ب"التجديد التشغيلي للمقاصد" ويقصد بذلك "استفراغ الوسع في تنزيل الأحكام الشرعية في مواقع الوجود، وتصريفها وفق الجهد التكليفي والقدرة الإنسانية في جميع الحالات التمكينية أو الاستضعافية، وفي كل المواقع الفردية والجماعية"[1]. وذلك على الشكل التالي:
1-مدخل الإمكان الكلي ويشمل:
-الخطاب الفردي أو تأهيل الفرد لثقافة مقاصدية.
-الخطاب الأسري أو التربية على الثقافة المقاصدية.
2-مدخل الإمكان الوسيط ويشمل:
-الخطاب المجتمعي أو إشاعة الثقافة المقاصدية بين الناس.
-الخطاب الدولي أو تدبير استراتجي مقاصدي.
3-مدخل الإمكان الجزئي ويشمل:
-الخطاب الأممي أو وعي حضاري مقاصدي.
-الخطاب العالمي أو تكارم مقاصدي إنساني.
                                              



[1] - د.الحسان شهيد. الخطاب المقاصدي المعاصر: مراجعة وتقويم. ص202.

الأحد، 6 سبتمبر 2015

د.منى أبو الفضل الأمة القطب: نحو تأصيل منهجي لمفهوم الأمة. عرض وتحليل: حفيظ هروس

د.منى أبو الفضل
الأمة القطب: نحو تأصيل منهجي لمفهوم الأمة.
عرض وتحليل: حفيظ هروس

      هناك تواطؤ عام على أن "الأمة" ظلت تشكل على امتداد الزمان الضمير الحي والمخزون النفسي لعموم جماهير الجماعة التي قطنت دار الإسلام، لكنه مع ذلك بقي مجرد انفعالات وجدانية لا أثر له في الواقع المعيش للمسلمين، وعليه فقد أصبح مراجعة هذا المفهوم واجب الوقت قصد الارتقاء به من "مجرد ظاهرة حسية-وجدانية إلى مفهوم عقلي منطقي"[1].
      ومن بين أهم موجبات هذه المراجعة بالإضافة إلى ما سلف ذكره هو المد الإحيائي الإسلامي الكبير الذي يقابله إهمال شديد للعناية بهذا المفهوم وإعماله عن طريق إخراجه من دائرة الظل والخمول إلى حيز النور والفاعلية، ومن هنا تأتي أطروحة الكاتبة "الأمة القطب"، بحيث ترى أن صفة القطبية هي أقرب صفة يمكن إسنادها "للأمة" وهي "الصفة التي مكنت الأمة من الاستقطاب والقابلية والقدرة على التجميع حولها"[2] وهي بهذه الصفة تؤدي وظيفة مزدوجة "من حيث تماسكها الداخلي وانفتاحها وجاذبيتها بالنسبة للغير على المستوى الخارجي"[3].
      إن أهم خصائص الأمة التي انطلقت منها المؤلفة هي ملاحظة أنها "ارتبطت بالعقيدة الدعوة"[4] مما يعني أن "الأمة تدور مع العقيدة، والعقيدة هي منطلق بقاء الأمة"[5]، كما أن العلاقة الجدلية بين الأمة والعقيدة باتت هي "المدخل المنهجي لمراجهة المفهوم"[6] عند كاتبتنا. وقد أضفى هذا الطرح على المفهوم المدروس بعدا غيبيا واضحا بالاضافة إلى الأبعاد الأخرى نتج عنه قصور المناهج المادية في معالجة وتحليل الظاهرة لذا اقترحت المؤلفة بدل ذلك المزواجة في المناهج المتوسل بها لإعادة بناء المفهوم بين الظواهر والماديات ="البرانيات"، وبين القيم والمعنويات ="الجوانيات".
      وبما أن أخص خصائص الأمة هي "العقيدة الدعوة" فإن المحور الرأسي للاستقطاب في أطروحة السيدة منى تعتليه العقيدة ثم تتبعه العبادات بينما تحل العوامل الجغرافية والتاريخية والبشرية أبعادا للمحور الأفقي، وتطغى أهمية العقيدة على غيرها من العوامل لأنها تشكل "مصدر تماسك الكيان الذاتي للفرد، ثم هي مصدر تماسك الكيان الذاتي للجماعة"[7].
      أما الدولة فإنها تبقى في هذه الأطروحة مجرد أحد العناصر المكملة لا أصل البناء "فليست الدولة في الإسلام مدارا للأمة قياما وتطورا وامتدادا وضمورا"[8] بحيث أن "الإسلام عندما جاء بأمة "الأمة" لم يقرنها بحتمية تنظيمية معينة... بل هي القادرة على إيجاد الأشكال والصياغات التنظيمية التي تتلاءم ومعطيات العصر"[9].
      وحقيقة بقاء الأمة واستمرارها مرتبط بخلود أصل نشأتها الحيوي المرتكز أساسا على "المنشأ النفسي المتجدد"[10] وهو منشأ ذاتي لا يستمد عنفوانه من أية جهة خاريجة، هذا بالاضافة إلى المنشأ الأول التاريخي الذي ارتبط بمطلع الدعوة والفترة التكوينية لجماعة المسلمين الأولى. والمنشأ النفسي هو الذي يتيح للأمة استقلاليتها  ويكرس وحدتها.
      ولنا على هذا الطرح التجديدي لمفهوم الأمة ملاحظات نجملها فيما يلي:
1-تقديم الأمة وأولويتها في طرح الأستاذة منى أبو الفضل على جميع الأشكال والصيغ التنظيمية التي برزت أو يمكن أن تبرز فيها وعلى رأسها الدولة التي تراجعت إلى الخلف في هذا التصور يعكس وعيا عميقا بالمأزق الكبير الذي يعيشه الفكر الإسلامي وخصوصا الحركي منه منذ الميلاد المبكر للأطروحات الحركية التي جعلت الدولة تطغى بشكل كبير على اهتماماتها وطموحاتها وأهدافها. حتى أصبحت عبارة عن "أسطورة" مركزية في النسق المفاهيمي لفكر الحركيين كما بيّنت بحق د.هبة رؤوف عزت في كتابها القيِّم "الخيال السيسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها"[11].
      فالأستاذة منى ما فتئت تصر في كتابها على أن "الأمة هي الأصل" باعتبارها "وعاء القرآن"[12]، وهو طرح كفيل بتنبيه الحركيين إلى ضرورة مراجعة النظريات وإعادة ترتيب الأولويات، ولعل من أثر ذلك النظرة المقاصدية للعلاقة بين الدولة والأمة عند شيخ المقاصديين المعاصرين د.أحمد الريسوني الذي يؤكد بدوره "أن الأمة هي الأصل وليس الدولة"[13]، معززا أطروحته بكون الخطاب الشرعي في جل النصوص التكليفية الشرعية "هو أساسا وابتداء للأمة ولجماعة المسلمين"[14]. ومن ثمَّ يردُّ الكثير من القضايا التي اعتبرها الفقه التقليدي لصيقة بالدولة إلى الأمة فهي في نظره بها ألصق وبمهامها أشبه، ومن ذلك قضايا الدعوة ونصرة الدين وتغيير المنكر وتحقيق الشورى.
          وهذا الطرح النظري الذي ينزِع عن الدولة قدسيتها ويردها إلى حجمها الطبيعي وينتصر في المقابل للأمة كفيل بأن يعيد للمجتمع عمليا دوره وحجمه الحقيقي في بناء النسق المعرفي والسياسي في المجتعات التي يغلب على طابعها الخصائص الإسلامية العامة ولعل هذا الكتاب يعتبر من اللبنات الرائدة في هذا الباب.
2-الطريقة الحجاجية والأسلوب الذي تعرض به الكاتبة نظريتها يعوزه الكثير من آليات الاقناع خصوصا وأنه يحفر في أرض بقيت حكرا مدة ليست باليسيرة على الخطاب الديني، وبالتالي فإن التوسل بنفس الخطاب والأسلوب يكون أدعى للإقناع والمنافحة بينما الاتكاء على الخطاب القانوني الإنساني الذي لا يُنكر أهميته –خصوصا وأن الكاتبة تؤكد على ضرورة الوصل بين الإسلاميات والإنسانيات- يبقى أقل فاعلية في مواجهة خطاب الحركيين المفعم بالنص الديني.
3-ربط مفهوم الأمة القطب بالعقيدة عند كاتبتنا مشكل، وهو نفس الشيء الذي آل إليه طرح الأستاذ الريسوني الذ يرى أن الأمة هي "أمة الإسلام، وهي جماعة المسلمين"[15]، وأرى أن الإشكال يبرز من جانبين اثنين هما: أولهما الإشكال التاريخي المتعلق بوضعية غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، وثانيهما عدم القدرة على الانفتاح على مفهوم المواطنة بالمعنى المعاصر. ثم إن ربط مفهوم الأمة بالمضمون الديني يتعارض مع الاستخدام النبوي لهذا المفهوم في صحيفة المدينة التي اعتبرت الجماعات الدينية اليهودية أمة من الناس "وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين" وهي ملاحظة ثاقبة اتكأت عليها د.هبة رؤوف في افق التطوير السياسي لمضمون الأمة[16].
      كما أنه –أي ربط الأمة بالمضمون الديني- يحُول دون تطوير المفهوم في أفق المسلك السياسي بدل المسلك الديني الصرف، وهذا لا يعني بالضرورة تبني التعريف "القومي" لهوية الأمة بالطريقة التي تشكلت بها في الأدبيات السياسية الغربية وإنما القصد فتح نوافذ تجديدية للمفهوم تحت المظلة السياسية المتسعة لجميع الناس بدل الانحباس في المعطى الديني الذي سيخلق اختناقات هوياتية على مر الزمان.
   



[1]- د.منى أبو الفضل، الأمة القطب: نحو تأصيل منهجي لمفهوم الأمة. مكتبة الشروق الطبعة الأولى 2005. ص36.
[2] -نفسه ص29.
[3] -نفسه ص51.
[4] -نفسه ص24.
[5] -نفسه ص24.
[6] -نفسه ص24.
[7] -نفسه ص67.
[8] -نفسه ص24.
[9] -نفسه ص56.
[10] -نفسه ص78.
[11] -د.هبة رؤوف عزت، الخيال السيسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها. الشبكة العربية للأبحاث والنشر. الطبعة الأولى 2015. ص72.
[12] - د.منى أبو الفضل، الأمة القطب ص55.
[13] - د.أحمد الريسوني، الأمة هي الأصل: مقاربة تأصيلية لقضايا الديمقراطية وحرية التعبير. الشبكة العربية للأبحاث والنشر. الطبعة الثانية 2013. ص10.
[14] -نفسه ص12.
[15] -نفسه ص9.
[16] - د.هبة رؤوف عزت، الخيال السيسي للإسلاميين ص102.

الخميس، 13 أغسطس 2015

الإسلاميون : سجال الهوية والنهضة
نواف القديمي

        الكتاب عبارة عن مجموعة من الحوارات والسجالات الصحفية بين فرقاء مختلفين أبرزهم الإسلاميين وخصومهم من العلمانيين حول عدة قضايا أهمها إشكالات الهوية والحرية والديموقراطية والعنف والمرأة وغيرها، وكانت هذه الحوارات قد بدأ نشرها قبل الحادي عشر من سبتمبر في صحيفة "المحايد" السعودية ثم استمر نشرها بعد ذلك على صفحات "الشرق الأوسط" و"الوطن".
        عمل على التقديم لكل محورمن محاور الحوار بمجموعة من الإسئلة والاشكالات السيد نواف القديمي، الذي كان موفقا إلى حد بعيد في إبراز وجهات النظر المختلفة والمتعارضة أحيانا حول المحور محل البحث والنظر.  
        من حسنات هذا السجال أنه كشف عن وجهات النظر المختلفة بين الإسلاميين والعلمانيين حول القضايا المطروحة وهو أمر عادي ومتوقع، لكنه كشف أيضا أن الإسلاميين ليسوا كتلة واحدة صماء بل تتعتمل صفوفهم مثل غيرهم العديد من التيارات الناتجة عن التأويلات المختلفة للنص الديني، الشيء الذي يهدم أحد النماطيات التقليدية من أساسه في النظر إلى الاسلاميين ومواقفهم من القضايا المختلفة.

        وإذا كان الحوار قد أظهر للعلن مواقف الأطراف المختلفة من القضايا محل الحوار مما يسهل على المتابع والباحث معرفة المواقف الحقيقية دون الحاجة إلى الواسطة التي غالبا ما تزيد الأمر تشويشا وبلبلة فإنه من جانب آخر لم يساعد في تقريب وجهات النظر المختلفة التي غدت من الحاجات الملحة أمام الاخفاقات المتاسرعة والانتكاسات الخطيرة التي عرفتها الحراكات العربية المختلفة المطالبة بالحرية والكرامة، لهذا أجد أن اللقاءات المباشرة والمفتوحة بين الإسلاميين وخصومهم تسهم أكثر في تليين المواقف والبحث عن سبل العيش المشترك. 

السبت، 11 يوليو 2015

الأمة هي الأصل: مقاربة تأصيلية لقضايا الديمقراطية وحرية التعبير. د.أحمد الريسوني

الأمة هي الأصل: مقاربة تأصيلية لقضايا الديمقراطية وحرية التعبير.د.أحمد الريسوني

      كتيب صغير في حجمه بسيط في أسلوبه  لم يضف شيئا ذا بال إلى الموضوعات التفصيلة التي تناولها، فهو أقرب إلى التصريح الصحفي أو التعبير عن الموقف منه إلى بحث علمي مفصل ومدعم بالحجج والبراهين والمناقشات الفكرية الخلاقة.
      يتناول الكتاب "علاقة الأمة بالدولة من حيث موضوع كل منهما ومكانتها من الأخرى، وموقع كل منهما ومكانتها في الخطاب الشرعي وفي النظام الإسلامي"[1]، وأطروحته الأساس التي ينافح عنها هي "أن الأمة هي الأصل وليس الدولة"[2] مشبها الوضع الطبيعي لمكانة كل من الأمة والدولة "بهرم قاعدته وعامة جسمه هو من الأمة، والزاوية العلوية الصغيرة التي تمثل رأس الهرم هي الدولة"[3]. معززا أطروحته بكون الخطاب الشرعي في جل النصوص التكليفية الشرعية "هو أساسا وابتداء للأمة ولجماعة المسلمين"[4]. ومن ثمَّ يرد الكثير من القضايا التي اعتبرها الفقه التقليدي لصيقة بالدولة إلى الأمة فهي في نظره بها ألصق وبمهامها أشبه، ومن ذلك قضايا الدعوة ونصرة الدين وتغيير المنكر وتحقيق الشورى.
      وعليه فالتمكين للأمة هو الأصل أما التمكين للدولة ففرع عنه ونتيجة له. والمقصود بالأمة عنده "أمة الإسلام، وهي جماعة المسلمين"[5]. وهذه هي أهم قضايا الفصل الأول الذي هو بمثابة أم الكتاب، أما بقية الفصول والمباحث فقد ناقش فيها جملة من القضايا التفصيلية مثل: الديمقراطية وحرية التعبير والفنون.
      فبخصوص الديمقراطية فقد عالج الموضوع من جانبين: حاول في الأول منهما أن يجد أصلا وسندا لأساسات الديمقراطية الكبرى في الإسلام من قبيل حكم الأغلبية وفصل السلط، وفي الثاني منهما عمل على رد الاعتراضات على الديمقراطية الناشئة عن سوء تقدير وفهم لقضاياها، من قبيل الإدعاء بأن الديمقراطية "نظام نبت في تربة غير إسلامية"[6] حيث أثبت أن "الديمقراطية لا دين لها"[7]. كذلك من قبيل أن الديمقراطية بحكم استنادها إلى حكم الأغلبية قد تحل ما حرم الله وتحرم ما أحل الله، لكنه يرد هذا الاشكال بأن الأغلبية في العالم الإسلامي ستقف دائما مع الإسلام وفي حال مخالفتها لذلك فإن النطام الديمقراطي سيكون مشكورا على ذلك لأنه كشف لنا مدى ابتعاد الناس عن الإسلام الذي لا ينبغي فرضه بالقوة على الناس.
      أما حرية التعبير فإنه يعتقد أن الإسلام لم يعتبره حق فقط بل جعله فريضة "فريضة التعبير"[8]، لكنه يعتبر أن هذا الحق يجب أن يمارس "ضمن أولويات الشريعة ومقاصدها وفي إطار من الشعور بالأمانة والمسؤولية الذاتية"[9]، وبالتالي فقد وضع لهذا الحق جملة من الشروط والضوابط.
      أما قضية الفنون فقد حاول تكييفها مع نظر الإسلام من خلال زوايا متعددة أبرزها:
-النظر إلى الفنون باعتبارها نوع من أنواع التحسينيات وعليه فإن القول بمشروعيتها يكون أيسر "باعتبار أن العلماء أقروا بإجماعهم أن المصالح التحسينية التي ليس لها من دور سوى التحسين معتبرة"[10] مع التأكيد على أنها لا ينبغي أن تسبق الضروريات والحاجيات.
-النظر إليها باعتبارها وسائل وهو يلاحظ من خلال إثباته لنماذج من كلام العلماء وأقوالهم أن تحريمهم لآلات الطرب ليس لذاتها وإنما لاقترانها باللهو والمفاسد وبالتالي "إذا نظرنا إلى الفنون باعتبارها وسائل وأمكننا التحكم فيها وتوجيهها..فإن أحكامها تختلف باختلاف ذلك..."[11].


[1] - د.أحمد الريسوني، الأمة هي الأصل: مقاربة تأصيلية لقضايا الديمقراطية وحرية التعبير. الشبكة العربية للأبحاث والنشر. الطبعة الانية 2013. ص10.
[2] -نفس المرجع والصفحة.
[3] -نفس المرجع ص11.
[4] -نفس المرجع ص12
[5] -نفس المرجع ص9.
[6] -نفس المرجع ص43.
[7] -نفس المرجع ص44.
[8] -نفس المرجع ص55.
[9] -نفس المرجع ص51.
[10] -المرجع نفسه ص85.

[11] -المرجع نفسه ص91.

الثلاثاء، 16 يونيو 2015

سعيد بنسعيد العلوي،
 أوروبا في مرآة الرحلة: صورة الآخر في أدب الرحلة المغربية المعاصرة.
الخطوط العامة للكتاب.
     جهد المؤلف في هذا الكتاب ووفق إلى حد كبير في تصنيف وتفكيك الرحالات السفارية المغربية إبان القرنين الثامن والتاسع عشر من خلال بحث قضية أساس في هذه الرحالات وهي الطريقة التي تبدى بها الآخر في مرآة الذات، وأهمها رصد لحظات تطور الوعي بالذات وتلقي صدمة التعري الحضاري أمام تقدم الآخر المفضي إلى انبثاق سؤال الوقت آنذاك: لماذا تقدموا ولماذا تخلفنا؟.
     لقد صنف المؤلف هذه الرحالات إلى ضروب متعددة، أبرز هذه التصنيفات اللحظات الثلاث التي شكلت وعي الذات إزاء تمثلها للآخر وهي:
1-لحظة القوة والثقة بالنفس والتي تجسدت في رحالات محمد بن عثمان المكناسي في رحلتيه المشهورتين لافتكاك أسرى المسلمين من يد "النصارى" التي حل من أجلها في كل من إسبانيا ثم بعدها في نابولي ومالطا وغرض المؤلف في هذا الفصل هو: "استخلاص معالم لحظة القوة والثقة في النفس على نحو ما تكشف لنا عنه قراءة ما دوَّنه السفير المكناسي في رحلتيه، وبالتالي، نريد تبين صورة "الآخر" على نحو ما ترتسم به في الوعي العربي الإسلامي في المغرب في نهاية القرن الثامن عشر"[1].
     وأهم ما طبع رحالات المكناسي هي "شعور باطن بالقوة والاستعلاء في مقابل شعور باطن محايث بدونية الآخر ونزول مقداره"[2]، ويظهر ذلك جليا في حضور الهاجس الديني الذي يغدو "أكثر قوة وهيمنة على الرحلة وعلى الحديث عنها"[3] متى تعلق الأمر بالمقابلة بين دار الكفر التي يتنقَّل بها ودار الإسلام التي يحن إليها وعليه فلا غرابة ألا يحتفل الرجل بمظاهر الحياة اليومية في أوروبا لا "بالألبسة ولا بنظم العيش"[4].
     ومن أهم أسباب تفسير هذه الصورة التي استقر عليها المكناسي في وصفه لأوروبا التي عاينها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر هي غياب الصدمة الحقيقة التي ستخلخل مشاعر ثقة الذات بنفسها وتقلقها بضرورة اللحوق بالركب.
2-لحظة الهزيمة والاكتشاف والتي فككها من خلال قراءة رحالات كل من العمراوي والصفار والطاهر الفاسي والتي تعبر بوضوح عن لحظة "إحداث الخلخلة العظمى في الصورة التي كان ابن عثمان المكناسي قد رسمها للذات والآخر"[5]، ولحظة الاستفاقة هذه أعقبت سلسلة من الصَدَمات التي تلقاها الوعي المغربي بحقيقة تخلفه عقب الهزائم النكراء خصوصا في إيسلي وتطوان.
     لهذا لا يدهشك أن تكون ميزة هذه الرحالات هي "إرادة المعرفة" في مقابل "غياب حديث إطراء الذات"[6] التي هيمنت على مكتوبات المكناسي. وعليه فإن اهتمام الرحالة المغربي انصبَّ بالدرجة الأولى على العناية بالحديث عن "الاختراعات والصنائع"، وفي المقابل أشاح بوجهه عن رؤية مظاهر الحضارة الأوروبية الأخرى مثل المسرح والمنتزهات وحديقة الحيوان.
     وأشد ما يبدو فيه إعجاب الرحالة المغربي هو مشاهدته ل"فرجة الجيش"، هنا حيث تتكثف لحظة الوعي بالذات في حال التأخر والآخر في واقع التقدم.
3-لحظة الدهشة واستعادة الوعي ويمثل هذه اللحظة محمد بن الحسن الحجوي في نصه "الرحلة الأوروبية" خير تمثيل، بحيث أن ما أبداه الرجل في هذه الرحلة من وعي بالذات وفهم للآخر تماهى بشكل كبير مع مشروعه التجديدي العام، كما أن هذا النص يكشف إلى أبعد الحدود عن تداخل أبعاد ثلاث في شخصية الرجل وهي: "التاجر والموظف المخزني والفقيه المجتهد"[7]، لهذا فإن خلاصة القراءة التركيبية التي قام بها الكاتب لهذا النص الرحلي يتمحور حول ثلاث قضايا أساسية وهي:
-أوروبا بلاد النظام.
-أوروبا وطن العلم.
-أوروبا دار التجارة.




[1] -سعيد بنسعيد العلوي، أوروبا في مرآة الرحلة: صورة الآخر في أدب الرحلة المغربية المعاصرة. رؤية للنشر والتوزيع 2012. ص43.
[2] -نفسه ص61.
[3] -نفسه ص53.
[4] -نفسه ص70.
[5] -نفسه ص75.
[6] -نفسه ص82.
[7] -نفسه ص115.