الأربعاء، 3 يونيو 2020

منير العَكَش، حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية.


منير العَكَش، حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية.
………………..
كيف يمكننا فهم بعض ما يجري اليوم في الولايات المتحدة، بعيدا ضجيج التفاصيل المتراكمة؟
ماذا تقول صورة الرئيس الأمريكي وهو حامل الكتاب المقدس أمام كنيسة الرؤساء؟
كيف نفسر العنصرية المتأصلة في أمريكا؟
هل من سبيل لإدراك أسباب مروق الدولة العظيمة عن القانون الدولي، واشتهاء الغزو المستمر لديها؟
كيف نفسر العنف في حده الأقصى الذي تمارسه أمريكا ضد خصومها؟
كيف تستطيع دولة محاصرة دول وشعوب وإسقاط أنظمة دون أية حسابات أخلاقية أو اعتبارات إنسانية؟
لماذا هل الدعم الهائل والأعمى لإسرائيل؟
لعل إحدى زوايا فهم ما يجري في أمريكا اليوم، وطريقة تعاملها مع الأقليات في الداخل، والخصوم في الخارج، ودعمها المطلق لإسرائيل هو الرجوع إلى التاريخ، -التاريخ الذي لا يروى- والإحاطة بأحداث التأسيس الأولى، وإدراك البواعث الدينية الملهمة للمستوطنين الأوائل والآباء المؤسسين.
 بطبيعة الحال تبقى هذه فقط زاوية من زوايا الفهم والإدراك، وإلا فهناك زوايا أخرى لا تقل أهمية مثل الاقتصاد والفلسفية والسوسيولوجيا..
ومن بين أهم الكتب التي عالجت جوانب هذا التاريخ، وألقت أضواء كاشفة على الأساطير الدينية التي بنى عليها هؤلاء المستوطنون سياسات الإبادة تجاه آخر كتاب منير العَكش "حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية" -للرجل سلسلة كتابات حول الإبادات الأمريكية-، وهو يؤكد أن هذه الأساطير المدمرة لم تكن فقط ملهمة للرعيل الأول من المستوطنين بل ظلت مستمرة مع الآباء المؤسسين مثل جفرسون وآدامس وفرنكلين.. الذين لم يكونوا "بأقل حماسة للمعنى الإسرائيلي للأمة الأمريكية" (ص131) من المستوطنين الأوائل رغم النقد الشديد لفظاعات العبرانيين وأدبياتهم المقدسة (ص154)، وقد ظلت سياسة الإبادة والتطهير سواء ضد الأقليات في الداخل الأمريكي أو ضد الأعداء المصطنعين في الخارج مرافقة للتاريخ الأمريكي لا تنفك عنه.
هذا الكتاب الذي أخرجه الرجل بتشجيعات خاصة من الشاعر الكبير محمود درويش، وبفضل مساعدة مفكري ونشطاء "الحركة الهندية".
فالمستوطنون الأوائل  الذين أسسوا أول مستعمرة إنجليزية في أمريكا كانوا يستلهمون أفكارهم من تصورات العبرانيين القدامي وأفكارهم عن "أرض كنعان"، فقد أطلقوا على أرض أمريكا "أرض الميعاد" وصهيون" و"إسرائيل الله الجديدة"... و"استمدوا كل أخلاق إبادة الهنود من هذا التقمص التاريخي لاجتياح العبرانيين أرض كنعان... بل كانوا يسمون أنفسهم بالمستعبرين Hebriests" (ص10).
ولهذا فإن أمريكا ليست إلا الفهم الإنجليزي التطبيقي لفكرة إسرائيل التاريخي، وإن كل تفصيل من تفاصيل تاريخ الاستعمار الانجليزي لشمال أمريكا حاول أن يجد جذوره في أدبيات تلك "الإسرائيل"، ويتبنى عقائدها في "الاختيار الإلهي" وحق تملك أراضي الغير... (ص123).
ويرى صاحب الكتاب أن الثوابت الخمس التي ألهمت المستوطنين الأوائل ثم رافقت التاريخ الأمريكي كله هي:
1-عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي.
ف"لطالما كانت فكرة "الاختيار الإلهي محركا لولبيا في التاريخ الأمريكي والأساس المتافيزيقي لمعظم الممارسات العنصرية في التاريخ القديم والحديث" (ص125)
فباعتبارهم "شعب الله المختار" فWASPS هو رمز الخصال الأخلاقية والعرقية المميزة للذرية الارستقراطية المختارة التي أسست أمريكا: البيض-الانجلو-سكسون-البروتستانت. ص15.
وانطلاقا من فكرة الاختيار الإلهي. دائما كان ينظر العرق الأبيض لتفوقه ونظر إلى السكان الأصليين بأنهم وحوش وسوق هذه الصورة في الكتابات الأولى باعتبارهم وحوشا "لا تعقل ولا تفكر وتأكل بعضها" (ص60)
يقول سناتور ألبرت بيفردج 1900م "إن الله اصطفى الأمة الأمريكية من بين كل الأمم والشعوب وفضلها عليهم وجعلها شعبه "شعبه المختار"، وذلك من أجل قيادة العالم وتخليصه من الشرور". (ص149).
2-التوسع اللانهائي في العالم.
عندما نشر  فردريك تيرنر كتابه "مشكلة الغرب The problem of the West" أكد على أن التوسع والحرب كانا أساس النماء الاقتصادي الأمريكي، ولا بد لاستمرار هذا النماء من استمرار التوسع وعدم إطفاء نار الحرب" (ص136).
 لهذا لا نستغرب أن يتشبع الساسة الأمريكيون بهذه العقيدة، فهذا سناتور هارت بنتون في خطاب أمام مجلس الشيوخ 1846 يقول "إن قدر أمريكا الأبدي هو الغزو والتوسع. إنها مثل عصا هارون التي صارت أفعى وابتعلت الحبال. هكذا ستغزو أمريكا الأراضي وتضمها إليها أرضا بعد أرض.." (ص105)
ومن الغريب أنه إلى حدود الآن لا تعترف الولايات المتحدة بحدود جغرافية لها في دستورها (ص133).
3-حق التضحية بالآخر
لم تعترف الولايات المتحدة قط بعدد الهنود الذين أبيدوا في الشمال الأمريكي منذ بداية الغزو الأبيض، ويرى المؤلف بأن عددهم عند الغزو كان يفوق مائة مليون هندي، تتوزع على أكثر من أربعمائة شعب وقبيلة لم يتبق منهم عند إحصاء 1900 إلا ربع مليون فقط، هذا فقط لتعرف حجم الإبادة التي تعرض لها السكان الأصليون بينما لم تعترف التقارير الرسمية بوجود أكثر من مليون أو ملونين عند بداية الغزو (ص17).
وقد اتخذت هذه الإبادة أشكالا كثيرة:
 المقاتل الجماعية للرجال والنساء والأطفال وحفلات سلخ فروة الرؤوس للحصول على المكافآت المالية التي كانت تخصهها الحكومات المحلية (ص72)
الحصار والتجويع حد الموت
 سياسة الأرض المحروقة
 نشر الأوبئة والأمراض الفتاكة
 الترحيل القسري الجماعي، يكفي فقط القراءة عن رحلة الدموع trail of tears بعد قانون 1830 لمعرفة الفظائع التي لا يمكن أن يكون مرتكبوها بشر (ص30).
 نظام السخرة والاستعباد القاسي
يقول حاكم ولاية كاليفورنيا بيتر برنيت بعد سن قانون "حماية الهنود" سنة 1850 "إن الرجل الأبيض الذي يعتبر الوقت ذهبا.. لا يستطيع أن يسهر طول الليل لمراقبة أملاكه... ولم يعد أمامه من خيار سوى أن يعتمد على حرب إبادة. إن حرب الإبادة قد بدأت فعلا، ويجب الاستمرار فيها حتى ينقرض الجنس الهندي تماما" (ص30).
4-الدور الخلاصي:
"إن الله اصطفى الأمة الأمريكية من بين كل الأمم والشعوب وفضلها عليهم وجعلها "شعبه المختار"، وذلك من أجل قيادة العالم وتخليصه من الشرور" (ص149).
5- المعنى الإسرائيلي لأمريكا.
"إن فكرة أمريكا، فكرة "استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة" عبر الاجتياح المسلح بمبررات غير طبيعية هي محور فكرة إسرائيل التاريخية. وإن عملية الإبادة التي تقتضيها مثل هذه الفكرة مقتبسة بالضرورة... من فكرة إسرائيل التاريخية" (ص124).
يقول جورج فوكس 1624-1691 "أن تكون يهوديا باللحم والدم لا يعني شيئا. أما أن تكون يهوديا بالروح فهذا يعني كل شيء". 'ص123)