الاثنين، 13 أبريل 2015

.محمود إسماعيل المهمشون في التاريخ الإسلامي

.محمود إسماعيل المهمشون في التاريخ الإسلامي
      يستعرض المؤلف في كتابه هذا عددا من الفرق والثورات والتشكيلات الاجتماعية في التاريخ الإسلامي والتي اعتبرها بمثابة جملة من الأحداث والقلاقل الاجتماعية والثورات التي يربط بينها أن "العامة" هي التي قادتها، فمن الفرق نجد الإسماعيلية متمثلة في القرامطة، ومن الثورات يذكر ثورة "الزنج"، ومن التشكيلات الاجتماعية يشير إلى بعض التنظيمات المهنية كالعيارين والحدادين وغيرهم من الفلاحين والحرفيين، ومن الأحداث التاريخية ثورة "عمرو بن حفصون" في الأندلس و"حميم المفتري" في المغرب.
       والمؤلف يعتبر التأريخ لهذه الشرائح الاجتماعية من الموضوعات "المسكوت عنها" و"اللامفكر فيها" في التاريخ الإسلامي حسب تعبير أركون، ورغم أن الحوليات لم تحفل بأخبار العوام وانشغلت بتواريخ الحكام سياسيا وعسكريا فقط، فإن صاحبنا وجد مادة مصدرية مهمة للموضوع في كتب الخراج والفقه والنوازل والطبقات والديارات...[1].
      والكتاب أقرب إلى مجموعة من الملاحظات والارتسمات العامة حول الموضوع منه إلى بحث علمي رصين، ولعل ما يشفع للكاتب أنه قد أشار في مقدمة كتابه إلى كونه عبارة عن مجموعة من المقالات المبسطة لجملة من الأبحاث المعمقة التي قُدر له ولمجموعة من تلامذته النبهاء وأصدقائه العلماء والمتخصصين القيام بها بخصوص "إعادة كتابة التاريخ الإسلامي"[2]، ومن بين أهم هؤلاء التلاميذ المنوه بهم في الكتاب نجد كل من عبد القادر بودشيش وأحمد طاهر وجهيدة بوجمعة، ومن بين الأصدقاء المشار إلى أبحاثهم يُشيد بكل من مولود عشاق ورجب النجار وشاكر مصطفى وعبد الحميد يونس وغيرهم، فالكتاب إذن عبارة عن دليل تبسيطي للاستئناس فقط ولمن أراد التعمق في الموضوع الرجوع إلى المظان الأصلية[3]. فالقصد من الكتاب على ما يبدو هو تقديم تصور أولي أو"بانوراما" عامة عن العامة المهمشة في التاريخ الإسلامي"[4].
      وقد عوَّل صاحبنا على المنهج المادي الجدلي التاريخي في تحليل وتفكيك هذه الثورات والأحداث مع الاسترشاد بالعديد من المناهج التحليلية الأخرى المتبعة في حقول البحث الاجتماعي والاقتصادي[5] الشيء الذي جعله ينظر إلى هذه الأحداث من زاوية الصراع الطبقي بالدرجة الأولى، ويخلص إلى أن السبب الرئيس لهذه الثورات هو سبب اقتصادي اجتماعي بالدرجة الأولى ومقصيا الأسباب الأخرى كالصراع الديني إلى الهامش. معتقدا بوجود "طبقة واسعة وعريضة من العوام والمستضعفين والأرقاء في مواجهة "طبقة أرستقراطية" عاتية، وأخرى "وسطى" هزيلة ارتبطت بالطبقة العليا وتخلت عن دورها التاريخي في قيادة الطبقة الدنيا"[6]. وهذا يفسر لنا المعجم الذي يمتح منه الرجل والمفاهيم الموظفة لدراسة الموضوع من قبيل: الارستقراطية والبورجوازية والبروليتاريا والنمط الإنتاجي الأسيوي وغيرها.

      لن أتوقف عند المنهج الذي ارتضاه صاحبنا رغم ارتباطه بتوجه معين ووجود الشواهد العلمية المتضافرة على تقادمه، لكنني في المقابل سأشير إلى بعض الثغرات المنهجية الأخرى التي اعتورت العمل وأضعفته، ذلك أنه من العيوب المنهجية البارزة التي طغت على الكتاب الغياب التام لأي إحالات مرجعية، فرغم أنه يوظف العديد من الأفكار والنصوص بل حتى النقول المباشرة فإنه لا يشير البتة إلى المصدر أو المرجع الذي اعتمده، كما أنه تعمد التدليس بإخفاء الصفات الحقيقية للكثير من الذين ناقش أفكارهم، فقد أكثر من ذكر العبارات المبهمة من قبيل: "الكثير من المؤرخين" و"بعض الدارسين" و"أحد الرحالة" و"باحث معاصر" وغيرها كثير.كما أنه كثيرا ما يكيل الاتهامات الباردة والادعاءات العريضة بدون بيّنة، ومن ذلك اعتقاده الجازم بالدور السلبي الذي لعبته الطرق الصوفية والطبقة الوسطى في الإخفاقات التي حلّت بثورات العامة على مدار التاريخ الإسلامي، الشيء الذي جعل عمله يفتقر إلى أبسط الشروط العلمية التي تَسِم الكتابات الرصينة.
      وأهم الأسباب التي انتهى إليها في تفسيره لإخفاق ثورات العامة هي:
-الافتقار إلى الوعي الطبقي وتهميشه عند خوض الصراعات وقيادة التحركات الجماهيرية.
-غياب إيديولوجيا أو دعوة مذهبية واضحة ومحددة أفضى إلى جنوح بعض القوى الثورية إلى أنواع متعددة من الهرطقة والسحر والشعوذة خصوصا في الأقاليم النائية.
-كون أغلب هذه الانتفاضات كانت عفوية غير منظمة.
- إفراط بعض هذه الحركات في العنف والسلب والنهب، بما ينم عن "مراهقة" القوى الثورية، وافتقارها إلى الحكمة والدربة السياسية.
-تواطؤ الطبقة الوسطى مع الطبقة الارستقراطية وخيانتها للدور التاريخي المنوط بها في نشر الوعي وقيادة العامة للقضاء على الإقطاعية العسكرية.
     



[1] - د.محمود إسماعيل المهمشون في التاريخ الإسلامي. ص13-14.
[2] - المرجع نفسه. ص8.
[3] -الإشارة هنا إلى كتابه "سوسيولوجيا الفكر الإسلامي"
[4] - د.محمود إسماعيل المهمشون في التاريخ الإسلامي. ص16.
[5] -المرجع نفسه ص15.
[6] -المرجع نفسه ص198.