الثلاثاء، 27 فبراير 2018

المتلمس الضبعي: الشاعر الثائر.

المتلمس الضبعي: الشاعر الثائر.
     المتلمس الضُبَعي شاعر جاهلي مُقل، لكنه ذو أنفة وعزة، صاحَبَ في بداية أمره الملك عمرو بن هند لكنه جفاه بعد ذلك لما تيّقن ظلمه وجوره، وعاش بعيدا عن وطنه غريبا منفيا، ولكن بكرامة وعزة نفس.
     ولعل السبب في هذه الجفوة وما تلاها من البلاء والمحنة هو الإباء وشموخ النفس وتعاليها عن قبول الضيم والرضوخ للمذلة التي عُرف بها هذا الشاعر الثائر، وقد عبّر في أشعاره بقوة عن هذا المعانى فأجاد وأفاد، فمن ذلك قوله لقومه مستنهضا لهم:
     ولن يُقيم على خسفٍ يُسامُ به ** إلا الأذلاَّن عيرُ الأهلِ والوتدُ
     هذا على الخسفِ مربوطٌ برمَّته   **  وذاك يُشجَّ فما يَرثي له أحدُ[1].
وقوله أيضا:
     فلا تَقبلَنْ ضيما مخافةَ ميتَةٍ  **  ومُوتَنْ بها حرا وجلدك أملس[2]  
     فما الناسُ إلا ما رأوا وتحدثوا  **  وما العجز إلا أن يُضاموا فيجلسوا[3].
ويصف حاله وحال قومه في الثورة ضد الجبابرة الطغاة:
     وكنا إذا الجبارُ صعَّر خده  **  أقمنا له من ميله فتقوَّما[4].
     والمتلمس ليس في هذا الباب شاذا ولا منفردا بل له أنداد وأمثال كثر، فالمطلع على أحوال العرب وأخبارهم قديما يجد أن من بين مكارم الأخلاق التي كان العربي القح يتحلى بها هي رفض الضيم والظلم، فقد كان يؤثر أن يعيش في الصحراء حرا طليقا رغم شظف العيش وخشونته على أن يقع في الأسر ويكون عبدا ذليلا لغيره.
     وأظن أن السبب الرئيس في ذلك هو عراقة العرب في البداوة وخشونة العيش، وتوغلهم في الصحاري والقفار حيث ألفوا الحرية والشجاعة وأنفوا من الدعة والهوان، وقد أجاد ابن خلدون وصف ذلك وتحليله في مقدمته، وأضاف أن نقيض ذلك من وجوه الحضارة والترف والانغماس في النعم مُذهب لسورة الغضب، مُتلف لأخلاق الإباء والنخوة، وقد يكون هذا النقيض هو الداء العضال الذي ينخر نفوس الكثير من العرب اليوم لاستكانتهم للاستبداد وقبولهم بالذل والصَغار.



[1] -ديوان المتلمس الضبعي، تحقيق: حسن كامل الصيرفي. ص211.
[2] -أي لم يصيبك عار
[3] -ديوان المتلمس ص111.
[4] -الديوان ص24.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق