الاثنين، 30 مارس 2015

عبد الوهاب المسيري العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. تأملات في المنهج والمقصد

عبد الوهاب المسيري
العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة.
تأملات في المنهج والمقصد
      يعتبر الكتاب حلقة ضمن مشروع أوسع رام من خلاله المفكر العربي البارز عبد الوهاب المسيري تناول موضوع العلمانية بالدرس والتحليل من جوانبها المختلفة التاريخية والمعرفية والإنسانية، والحلقات الثلاث المقصودة هي:
-الحلولية ووحدة الوجود باعتبارها مقدمات العلمانية.
-العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وهو الكتاب الذي بين أيدينا وهو أهم حلقة دراسية في المشروع، حسب الكاتب نفسه.
-ما بعد الحداثة باعتبارها ثمرة العلمانية الشاملة.
      والكتاب عبارة عن مرافعة فكرية وعلمية ثاقبة، استطاع من خلالها الرجل أن ينافح عن أطروحته ويثبت صدقيتها بكل جدارة واستحقاق، والأطروحة تتمثل في تأكيد وجود علمانيتين اثنتين متكاملتين غير منفصلتين وهما: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وهو يرى أن الخلط بينهما وعدم تبيُّن الفروق الفاصلة أحد الأسباب الرئيسة للمعارك الوهمية التي خاضها ويخوضها "الفكرانيون" تحت يافطات المحافظة أو التحديث كليهما.
      يقول: "يوجد في تصورنا علمانيتين لا علمانية واحدة، الأولى جزئية ونعني بها العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة، والثانية شاملة ولا تعني فصل الدين الدولة وحسب وإنما عن الطبيعة وعن حياة الإنسان في جانبيها العام والخاص، بحيث تنزع القداسة عن العالم ويتحول إلى مادة استعمالية يمكن توظيفها لصالح الأقوى"[1].
      وإذا كان تطور العلمانية في الغرب قد انطلق من الأولى التي تتميز بسمات إجرائية وذات رؤية جزئية للواقع، فإنه آل في نهاية المطاف إلى الأخيرة التي تعبر عن رؤية شاملة للعالم ذات بعد معرفي كلي، لكن هذا التطور ليس عبارة عن طفرة بقدر ما هو تراكم أخذ شكل متتالية: بدأت جزئية مقصورة على المجالين السياسي والاقتصادي مع وجود بقايا لمطلقات مسيحية ومعيارية إنسانية ومع ضعف وعجز قطاعي اللذة والإعلام عن اقتحام كل مجالات الحياة، وانتهت في المراحل الأخيرة إلى تغول الدولة ووسائل الإعلام مع تهميش للإنسان وسيادة النسبية الأخلاقية وهي سمات العلمانية الشاملة[2].
      وقد وظف صاحبنا أدوات منهاجية متعددة تنم عن جهد كبير واطلاع واسع ومعرفة خابرة بالمسألة موضوع النقاش، وأُجمل شواهد هذا المنهج في السمات التالية:
-الاستقصاء والتتبع: فالكتاب يكشف عن التبحر الواسع للرجل في علوم متعددة واطلاع على كتابات شتى تجعل وسم عمله بالموسوعة مكافأة يسيرة.
-القراءة والعرض:يظهر مقدرة الرجل عظيما على استعراض الآراء المختلفة للفلاسفة والمفكرين الغربيين والعرب على حد سواء من خلال مكتوباتهم المتعددة.
-التفكيك والنقد: لا يكتفي باستعراض الأقوال والمذاهب المختلفة، بل يُعمل فيها معول التشريح والتحليل، كاشفا عن أغوارها ومفسرا لعويصها ومقربا لبعيدها.
-الاستنتاج والتركيب: بحيث يسعى إلى تركيب خلاصات المقاربات المتعددة لبناء نموذج تحليلي مرجعي لقضية العلمانية يتأسس على متتالية آخذة في التحقق وليس مجرد فكرة سكونية ثابتة.
      وقد جهد د.المسيري أيضا في استحداث جهازي  مفهومي خاص به ساعده كثيرا في مسك تلابيب الموضوع والتحكم في تمفصلاته الشديدة التعقيد، كما أظهر براعة نادرة في نحت المفاهيم واستحداثها، ومن بين أهم تلك المفاهيم: "العلمنة البنيوية الكامنة" و"الإنسان الوظيفي" و"الحوسلة" وغيرها.
      وبالرغم من كل هذه العُدة المعرفية والمنهجية المتميزة فإن الكاتب قد سقط في فخ  التعميمات النمطية والمبالغات غير حميدة، وأخص بالذكر سعيه الحثيث لإدانة الحضارة الغربية عن بكرة أبيها بحيث  كدَّ في إظهارها حضارة وثنية كمونية من خلال اختزال فلسفاتها في مقولات جامدة، واختصار أراء مفكريها في كلمات محدودة لا تسمن ولا تغني من جوع، وذلك ليتسنى له الحكم عليها وإدانتها ونعتها بالسطحية في التحليل والضحالة في التفكير.
      لكن الكتاب لا غنى لكل من أراد الإحاطة بمسألة العلمانية في الوطن العربي وتفاعلاتها المختلفة وكذا التبصر بجذورها التاريخية والفلسفية.
     



[1]- عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. ص16.
[2] -المرجع نفسه ص222.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق